[الرئيسية][headercarousel]

نبذة عن الإمام مسلم





الإمام مسلم :
 هو الإمام الحافظ المجوِّد الحُجَّة الصادق، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري. وقُشَير قبيلة من العرب معروفة، ونيسابور مدينة مشهورة بخراسان من أحسن مدنها، وأجمعها للعلم والخير. وُلِد بنيسابور سنةَ 206هـ/ 821م.
 الإمام مسلم .. الطفولة والنشأة:
نشأ الإمام مسلم في بيت تقوى وصلاح وعلم، فقد كان والده حجاج بن مسلم القشيري أحد محبي العلم، وأحد من يعشقون حلقات العلماء، فتربى الإمام وترعرع في هذا الجوِّ الإيماني الرائع. وقد بدأ الإمام مسلم (رحمه الله تعالى) رحلته في طلب العلم مبكرًا، فلم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره حين بدأ في سماع الحديث؛ قال الذهبي: "وأول سماعه في سنة ثماني عشرة من يحيى بن يحيى التميمي، وحج في سنة عشرين وهو أمرد".
شيوخ الإمام مسلم
للإمام مسلم رحمه الله تعالى شيوخ كثيرون، بلغ عددهم مائتين وعشرين رجلاً، وقد سمع بمكة من عبد الله بن مسلمة القعنبي، فهو أكبر شيخ له، وسمع بالكوفة والعراق والحرمين ومصر. ومن أبرز هؤلاء الأئمة: يحيى بن يحيى النيسابوري، وقتيبة بن سعيد، وسعيد بن منصور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأبو كريب محمد بن العلاء، وأبو موسى محمد بن المثنى، وهناد بن السري، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر، ومحمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، وعبد الله الدَّارِمِي، وإسحاق الكوسج، وخلق سواهم.
تلاميذ الإمام مسلم
علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي، وهو أكبر منه، ومحمد بن عبد الوهاب الفرَّاء شيخه، ولكن ما أخرج عنه في (صحيحه)، والحسين بن محمد القباني، وأبو بكر محمد بن النضر بن سلمة الجارودي، وعلي بن الحسين بن الجنيد الرازي، وصالح بن محمد جزرة، وأبو عيسى الترمذي في (جامعه)، وأحمد بن المبارك المُسْتَمْلِي، وعبد الله بن يحيى السرخسي القاضي، ونصر بن أحمد بن نصر الحافظ، وغيرهم كثير.
مؤلفات الإمام مسلم
 للإمام مسلم رحمه الله تعالى مؤلفات كثيرة، منها ما وُجد، ومنها ما فُقد؛ ومن هذه المؤلفات: - كتابه الصحيح، وهو أشهر كتبه.
- كتاب التمييز.
- كتاب العلل.
- كتاب الوُحْدَان.
- كتاب الأفراد.
- كتاب الأَقْران.
- كتاب سؤالاته أحمد بن حنبل.
- كتاب عمرو بن شعيب.
- كتاب الانتفاع بأُهُبِ السِّباع.
- كتاب مشايخ مالك.
- كتاب مشايخ الثوري.
- كتاب مشايخ شعبة.
- كتاب من ليس له إلا راوٍ واحد.
- كتاب المخضرمين.
- كتاب أولاد الصحابة.
- كتاب أوهام المحدثين.
- كتاب الطبقات.
- كتاب أفراد الشاميين.
 منهج الإمام مسلم في الحديث
 كتب الإمام مالك رحمه الله تعالى كتاب الموطأ، أودعه أصول الأحكام من الصحيح المتفق عليه، ورتبه على أبواب الفقه، ثم عُني الحفاظ بمعرفة طرق الأحاديث وأسانيده المختلفة، وربما يقع إسناد الحديث من طرق متعددة عن رواة مختلفين، وقد يقع الحديث أيضًا في أبواب متعددة باختلاف المعاني التي اشتمل عليها. وجاء محمد بن إسماعيل البخاري إمام المحدثين في عصره، فخرَّج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين والشاميين، واعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه، وكرَّر الأحاديث يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحديث، فتكررت لذلك أحاديثه حتى يقال: إنه اشتمل على تسعة آلاف حديث ومائتين، منها ثلاثة آلاف متكررة، وفرَّق الطرق والأسانيد عليها مختلفة في كل باب.
 ثم جاء الإمام مسلم بن الحجاج القشيري (رحمه الله)، فألَّف مسنده الصحيح، حذا فيه حذو البخاري في نقل المجمع عليه، وحذف المتكرر منها، وجمع الطرق والأسانيد، وبوَّبه على أبواب الفقه وتراجمه، ومع ذلك فلم يستوعب الصحيح كله، وقد استدرك الناس عليه وعلى البخاري في ذلك. قال الحسين بن محمد الماسرجسي: سمعت أبي يقول: سمعت مسلمًا يقول: "صنَّفت هذا - المسند الصحيح - من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة". وقد استغرقت مدة تأليفه لهذا الكتاب خمسة عشر عامًا، قال أحمد بن سلمة: "كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة". وقد ألَّفه في بلده، كما ذكر ابن حجر في مقدمة فتح الباري حيث قال: "إن مسلمًا صنف كتابه في بلده، بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ، ويتحرى في السياق".
ثناء العلماء على الإمام مسلم
قال أبو قريش الحافظ: سمعت محمد بن بشار يقول: "حُفَّاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله الدَّارِمِي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى". ونقل أبو عبد الله الحاكم أن محمد بن عبد الوهاب الفراء قال: "كان مسلم بن الحجاج من علماء الناس، ومن أوعية العلم". وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: "ما تحت أديم السماء أصحُّ من كتاب مسلم في علم الحديث". وقال عنه صاحب أبجد العلوم (صديق بن حسن القنوجي): "والإمام مسلم بن الحجاج القشيري البغدادي أحد الأئمة الحفاظ، وأعلم المحدثين، إمام خراسان في الحديث بعد البخاري". وقال أحمد بن سلمة: "رأيتُ أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان (مسلمًا) في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما".
من كلمات الإمام مسلم الخالدة
- قوله للإمام البخاري: "دعني أُقبِّلْ رجليك يا أستاذ الأُسْتَاذِينَ، وسيِّد المحدثين، وطبيب الحديث في علله".
وفاة الإمام مسلم
عاش الإمام مسلم 55 سنة، وتُوفِّي ودفن في مدينة نيسابور سنةَ 261هـ/ 875م. رحمه الله

استقبال رمضان


استقبال رمضان

يتهيأ المسلمون في هذه الأيام لاستقبال ضيف كريم عزيز وموسم من مواسم الخيرات كبير. يتهيئون لشهر من أفضل الشهور. إنَّه شهر رمضان  المبارك . ويستعدون لعبادة هي من أجل العبادات ، وقربة من أشرف القربات ، وطاعة مباركة لها آثارها الطيبة في العاجلة والآجلة من تزكيه النفوس ، وإصلاح القلوب ،وحفظ الجوارح والحواس من الفتن والشرور ، وتهذيب الأخلاق .وحصول عظيم الأجر وتكفير السيئات المهلكة .والفوز بأعالي الدرجات بما لا يوصف ناهيك عن عمل اختصه الله من بين سائر الأعمال ففي الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يقول قال رسول اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" قال الله "كُلُّ عَمَلِ بن آدَمَ له إلا الصِّيَامَ فإنه لي وأنا أَجْزِي به" عبادة الصوم جنة من الشهوات والمحرمات . وجنة من النار والدركات فعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه الله عنه قال قال الرسول "صلى الله عليه وسلم" :" "الصَّوْمُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ" الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع فهو يقي الصائم ما يضره من الشهوات ويجنبه الآثام التي تجعل صاحبها عرضة لعذاب النار, وتورثه الشقاء في الدنيا والآخرة ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وإذا كان يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أو قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إني امْرُؤٌ صَائِمٌ " الصوم يشفع للعبد يوم القيامة فعن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو أنَّ رَسُولَ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" قال "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يوم الْقِيَامَةِ يقول الصِّيَامُ أي رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فيشفعني فيه وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فشفعني فيه قال فَيُشَفَّعَانِ" أحمد وصححه الحاكم والألباني في المشكاة ، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى من رِيحِ الْمِسْكِ"  .
وخص الله الصوم بباب في الجنة يسمى الريان ففي الصحيحين عن سَهْلِ بن سَعْدٍ رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" "إِنَّ في الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يوم الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَدْخُلُونَ منه فإذا دخل آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فلم يَدْخُلْ منه أَحَدٌ " وفي لفظ في المسند والنسائي وصححه الألباني " من دخل منه شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ منه لم يَظْمَأْ أَبَداً" والصوم مغفرة للذنوب وكفارة للسيئات والإثم ففي الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم " فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ " والصوم من أعظم أسباب إجابة الدعاء فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" " ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعُوَتُهُمُ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالإِمَامُ الْعَادِلُ وَدَعُوَةُ الْمَظْلُوم" أحمد وصححه ابن حبان والألباني ، ِوفي لفظ " وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ" الترمذي وصححه ابن حبان والألباني .
 والصوم سبب للسعادة في الدنيا والآخرة ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم " وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ حين يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حين يَلْقَى رَبَّهُ " هذه بعض فضائل الصوم وأمَّا شهر رمضان المبارك ففضله عظيم وثواب أهله جزيل فهو شهر أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيان من الهدى والفرقان {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} شهر رمضان شهر تفتح أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتسلسل فيه الشياطين ومردة الجن فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ "صلى الله عليه وسلم" قَالَ "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ مَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبُوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِحَتْ أَبُوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَمُنَادٍ يُنَادِي يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبَلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ " ابن ماجه وصححه الحاكم وابن حبان وابن خزيمة والألباني .
 شهر رمضان شهر تكفير السيئات فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال " من قام لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ "البخاري ومسلم وعند مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" كان يقول الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إلى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ ما بَيْنَهُنَّ إذا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ". شهر رمضان شهر جعل الله فيه ليلة خيراً من ألف شهر هي ليلة القدر من حرم خيرها فقد حرم قال تعالى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم " لِلَّهِ فيه لَيْلَةٌ خَيْرٌ من أَلْفِ شَهْرٍ من حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " النسائي وصححه الألباني. شهر رمضان شهر تجاب فيه الدعوات وتكشف فيه البلوى والملمات. وتعتق فيه الرقاب الموبقات فعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إنَّ لله في كلِّ يومٍ وليلةٍ عتقاء من النَّار في شهر رمضان وإنَّ لكلِّ مسلم دعوة يدعو بها فيستجاب له " قال صاحب مجمع الزوائد "رواه ابن ماجه باختصار الدعوة ورواه البزار ورجاله ثقات " .
شهر رمضان العمرة فيه تعدل حجة مع النبي "صلى الله عليه وسلم" كما ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم "فإن عُمْرَةً فيه تَعْدِلُ حَجَّةً". وشهر رمضان شهر الانتصارات الحاسمة التي أعز الله فيها الإسلام وأهله وأذل الله فيها الكفر وأهله فغزوة بدر كانت في رمضان وفتح مكة أيضاً في رمضان وعودة النبي من تبوك منتصراً أيضاً في رمضان إلى غير ذلك من المعارك الحاسمة والمواقف الفاصلة كانت أيضاً في رمضان فهو شهر الجهاد يعلم الشجاعة والرجولة . ولقد كان النبي يبشر أهله وأصحابه بقدوم شهر رمضان فعن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ الله عز وجل عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فيه أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فيه أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فيه لَيْلَةٌ خَيْرٌ من أَلْفِ شَهْرٍ من حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " أيها المسلمون: كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان ؟ وكيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران ؟ وكيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين ؟فمن أين يشبه هذا الزمان . 
    
          أتى رمضان مزرعة العباد                          لتطهير القلوب من النار
         فأفـد حقوقه قولا وفعلا                          وزادك فاتخـذه  للمعاد
         فمن زرع الحبوب سقاها                          تأوه نادمـاً يوم الحصاد

هذا هو شهر رمضان وهذه فضائله فما هو حال الناس في استقبالهم لشهر رمضان ؟ الناس في استقبال شهر رمضان على قسمين : قسم يفرح بقدومه ويأنس بحلوله وهم فريقان فريق يفرح لرواج تجارته ونفاق بضاعته وسهر لياليه على الورقة والضمنة أو في الملاعب والمقاهي وبما تَعِدُ به وسائل الإعلام الهابطة من أغان ومسلسلات وربما بارزوا الله بالعظائم ولعبوا فيه القمار والميسر المحرم كحال أصحاب المحلات الذين يعرضون سيارات القمار من أول شهر شعبان وهؤلاء لا حظ لهم من رمضان إلَّا ما نووا وقصدوا , وفريق آخر يفرح بقدوم الشهر فيعتبره موسماً من مواسم الطاعات واستباق الخيرات ومنافسة أهل الخير والصلوات وكثرة الإحسان والصدقات والتقرب إلى الله فيه بقراءة القرآن وسائر القربات وهؤلاء يفرحون به لأنَّهم قوم عودوا أنفسهم على الصيام ووطنوها على تحمله لكثرة صيامهم للنوافل. يفرحون به لأنَّهم يعلمون أنَّ الامتناع عن الشهوات والملذات في الدنيا سبب لنيلها في الآخرة فلقوة يقينهم بما سيلقونه في الآخرة يفرحون بقدوم الشهر . يفرحون به لأنَّهم يعلمون ويدركون أنَّ شهر رمضان موسم من مواسم التنافس في الطاعات واستباق الخيرات .ويعلمون أنَّ الله يجري فيه من الأجور مالا يجري في غيره من الشهور فلذلك يفرحون وفيه يشمرون عن ساعد الجد في المحافظة على الصلوات والطاعات والبعد عن المعاصي والمحرمات وإن كان هذا شأنهم طيلة العام ولكن في رمضان خيرهم يزيد ومحاسبتهم لأنفسهم نقوى ويرغبون في مغفرة الله ورحمته في هذا الشهر لأنَّ الخاسر كل الخاسر من مر شهر رمضان عليه وخرج منه خاسراً من رحمة الله ومغفرته عن مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَتَانِي جِبْرِيلُ فقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْتُ آمِينَ " صححه ابن حبان .
 وأمَّا القسم الثاني فهم الذين لا يفرحون بقدومه ولا يأنسون بحلوله. يستتقلون هذا الشهر ويعدُّون أيامه ولياليه منتظرين رحيله بفارق الصبر, ويفرحون بكل يوم يمضي من أيامه حتى إذا اقترب العيد بدا الفرح على محياهم , ورأيت ارتكابهم للمحرمات من سماع الأغاني  وضرب الطبول والمزامير في أيام العيد وعادوا إلى ما كانوا عليه من المآثم والمنكرات ’ وتركوا المساجد وأضاعوا الصلوات وهؤلاء إنَّما استثقلوا الشهر لأمور: فهم قوم تعودوا على التوسع في الملذات والشهوات من المآكل والمشارب والمناكح وغيرها فضلاً عن مفارقتهم للذات المحرمة فيجدون في هذا الشهر مانعاً يمنعهم وقيداً يحبسهم عن شهواتهم ويحول بينهم وبين ملاذهم فاستثقلوه , وكذلك هم قوم عظم تقصيرهم في الطاعات حتى أنَّ منهم من قد يفرط في الواجبات ويضيع الفرائض والصلوات فإذا جاء رمضان التزموا ببعض الطاعات وحافظوا على الصلوات وشهدوا الجمع والجماعات فبسب هذا الالتزام الذي لم يألفوه ولم يوطنوا أنفسهم عليه استعظموا هذا الشهر واستثقلوه . هذا زيادة على ضعف يقينهم بما أعده الله للمؤمنين من الأجر وعدم استحضارهم لفضل هذا الشهر وما فيه من الحسنات العظيمة فلا عجب ألَّا يجدوا من اللذة والفرح والسرور بقدوم هذا الشهر العظيم حتى قال قائلهم   

       دعاني شهر الصوم لا كان من شهر         ولا صمت يوماً بعده آخر الدهر
       فلو كان يعديني الأنام بقوة على الشهر     لاستعديت قومـي عـلى الشهر

إنّ إدراك شهر رمضان نعمة كبيرة فضلها عظيم وثوابها جزيل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَلِيٍّ مِنْ قُضَاعَةَ أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ السَّنَةِ " أحمد وقال الألباني حسن صحيح . ولذا كان السلف الصالح يدركون هذه النعمة ويقدرون لها قدرها فيسألون الله على ما ذكر ستة أشهر أن يبلغهم رمضان فإذا أدركوه بكوا من الفرح واجتهدوا في الطاعات ونافسوا في الخيرات وسارعوا إلى المغفرة والجنات فإذا ولَّى ودعوه بقلوب حزينة وأعين دامعة وسألوا الله ستة أشهر أخرى أن يتقبل منهم رمضان فالسنة عندهم كانت كلها رمضان ، وكان من دعائهم اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
بعد أيام قلائل يحل علينا ضيف عزيز وشهر كريم وموسم عظيم خصه الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم إنَّه شهر رمضان , شهر البركات والخيرات , شهر الرحمات والنفحات , شهر القراءة للقرآن والصدقات, شهر مضاعفة الحسنات , شهر مغفرة السيئات وإقالة العثرات , شهر عتق الرقاب الموبقات شهر إجابة الدعوات ورفعة الدرجات .
شهر تفتح فيه أبواب الجنات وتغلق فيه أبواب الجحيم و الدركات وتصفد فيه الشياطين فتقل الخطايا والسيئات . فيا لفرحة المسلمين يتلك الأيام التي تتكرر عليهم كل عام فيحيونها بأرواحهم وأنفسهم .أوليس من نعمة الله أن تمر بالإنسان في كل عام أيام يحيا فيها مع نفسه حياة تختلف عن تلك الأيام التي تعودها في بقية عامه .
إنّ رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر أوليست هذه بشرى لكل عاصي أثقلته الذنوب.إنَّ عاتقا حمل هموما وغموما وأحزانا وآلاما وذنوبا وخطايا لعاتق منهك ضعيف يحتاج إلى العون والنصرة ، وكم هو سعيد ذلك العبد حينما يلقي عن عاتقه تلك الهموم والغموم وتلك الذنوب والخطايا وتلك الأحزان والآلام ، كم هو سعيد حينما تغمره رحمة أرحم الراحمين في شهر رمضان فيكون فيه من المعتوقين .
سؤال مهم كيف يستقبل المسلم شهر رمضان ؟ كيف يستقبل المسلم هذا الشهر الكريم وهذا الموسم العظيم ؟سؤال يطرح نفسه مع مستهل شهر رمضان من كل عام وأحسبُ أنَّ النَّاس بأمس الحاجة إلى معرفة الإجابة على هذا السؤال المهم في وقتٍ غفل فيه كثير من النَّاس عما خلقوا له نتيجةً لكثرة الملهيات بل حتى المفسدات عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية فهل يستقبله المسلم بشراء أحسن المأكولات والمشروبات ليتحول رمضان إلى موسم أكل وتخمة ؟ أم يستقبله بشراء الدشوش لمشاهدة المسلسلات والتمثيليات وسماع الأغاني الماجنات ومتابعة المباريات والمسرحيات الهابطات ؟ أم يستقبله بإضاءة الملاعب بالأنوار وإقامة دورات الميسر والقمار ؟ أم يستقبله بقلب الفطرة فيجعل ليالي رمضان موسماً للسهر إلى قبل طلوع الفجر فيحيي ليله بالعب ونهاره بالنوم طوال الأوقات ولا تسألوا عما يضيعه من الصلوات ؟ والجواب كلَّا وألف كلَّا إنَّ شهر رمضان الذي سمعتم بعضَ فضائله لا يستقبل هذا الاستقبال الذي لا يعرفه إلَّا أهل التفريط والغفلة وأصحاب المعاصي والشهوات أمَّا المسلم الحق فيستقبل شهر رمضان استقبالاً من نوع أخر فهو يستقبله أولاً: بالفرح والبشر والسرور وانشراح الصدر مستشعراً نعمة الله عليه حين بلغه رمضان ومستشهداً منَّة الله عليه حين أدرك رمضان ويهنئ أهله و أقاربه وجيرانه كما كان الرسول "صلى الله عليه وسلم" يفعل. لسان حاله يقول :

                 مرحباً أهلاً وسهلا بالصيام       يا حبيباً زارنا في كـل عـام
                 قد لقيناك بحبٍ مفعـمٍ          كل حبً في سواء المولى حرام
                 فاغفر اللـهم ربي ذنبنا            وأنلنا من عطايـاك الجسـام

ويستقبله ثانياً : بالتوبة النصوح الماحية لجميع الذنوب التي وقع فيها طيلة العام وليست التوبة خاصة برمضان بل هي واجبة في كل الأوقات فكلَّما أحدث العبد ذنبا فليحدث بعده توبة ولكن في رمضان القلوب مقبلة وفضل الله وعفوه ورحمته فيه أعظم فخسر ورغم أنفه من لم يغفر له في شهر رمضان . وكم هي كثيرة تلك الذنوب التي ارتكبناها ؟ فشهر رمضان شهر المحاسبة لهذه النفس  التي يجب أن يقف معها معاتباً محاسباً ليتوب من ذنوبه خاصةً في هذا الشهر العظيم . فمتى يتوب من لم يتب في شهر رمضان ؟ ومتى يصلح حال من لم يصلح حاله في رمضان ؟ ومتى يغفر لمن لم يغفر له في رمضان ؟ فرغم أنفه وأبعد وخسر من لم يغفر له في شهر رمضان . ويستقبله ثالثاً : بإخلاص النية لله تعالى في صيامه وقيامه فمن صام رمضان وقام إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. ويستقبله رابعاً : بعزيمة صادقة على أن يستكثر من الأعمال الصالحة وينافس في الخيرات جهده خاصةً قراءة القرآن وصلاة التراويح وكثرة الذكر وغيرها من الأعمال الصالحة . ويستقبله خامساً : بعزيمة صادقة على أن يترك جميع الذنوب والسيئات طيلة أيام وليالي هذا الشهر الكريم على وجه الخصوص وإلَّا فالمسلم مطالب أن يترك معصية الله طيلة حياته حتى يلقى الله:

    يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب            حتى عصى ربه في شهر شعبان
    لقد أظلك شـهر الصوم بعدهمـا              فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
    اتلوا الكتاب وسبـح فيه مجتهـداً             فإنَّـه شهر تسبيـح وقـرآن
   كم كنت تعرف ممن صـام من سلف         من بين أهلٍ وإخوان وجـيران
   أتاهم المـوت واستبقـاك بعـدهم          حيا فما أقرب القاصي من الداني

إنَّ بعض الناس يبتعد عن المعاصي أثناء صومه فإذا أفطر شرع في ارتكابها بل ربما أفطر عليها كحال شارب الدخان , وبعض الناس لا يعرف من صومه إلَّا أنَّه يترك الطعام والشراب فقط فتجده أثناء صومه يسب ويشتم ويلعن ويصخب ويضيع الصلوات ويرتكب المخالفات ويستمع الأغاني المحرمات فبعضهم يسهر إلى السحور ثم ينام قبل الفجر ويضيع الفجر والظهر ولربما أضاع معهما العصر  فهل هذا هو حال المسلم في رمضان ؟ لقد صدق في حق هؤلاء ما ورد عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  قال قال رسول اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" " رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ من صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ من قِيَامِهِ السَّهَرُ " أحمد وصححه الحاكم وابن حبان وابن خزيمة وقال الألباني حسن صحيح . وما ورد عنه أيضا رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" من لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " البخاري . وما ورد عنه أيضا قال قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ( ليس الصيام من الأكل والشرب فقط إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم ) البيهقي في سننه وصححه الحاكم وابن خزيمة والألباني . وقال جَابِرٌ بن عبدالله رضي الله عنه "إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُك وَبَصَرُك وَلِسَانُك  عن الْكَذِبِ والماثم وَدَعْ اذى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْك وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يوم صِيَامِك وَلاَ تَجْعَلْ يوم فِطْرِك وَيَوْمَ صِيَامِك سَوَاءً " المصنف لابن أبي شيبة رحمه الله .

   إذا لم يكن في السمع مني تصـاون       وفي بصري غضً وفي منطقي صمت
   فحظي إذا من صومي الجوع والظما      فإن قلت إني صمت يومي فما صمت

فلنتق الله أيها المسلمون ولنسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يوفقنا فيه لصالح الأعمال وأن يجعلنا من صوامه وقوامه إنه تعالى جواد كريم . صلوا وسلموا على رسول الله .








نور الدين زنكي

 نور الدين زنكي



مرّت الشعوب المسلمة بسنين عجاف كثرت فيها الخلافات، وتعددت فيها الرايات، وظهر على المسلمين فيها الأعداء، وخبأ في قلوب الأكثرين الرجاء، غير أن الله سخر رجالاً "ظهروا ونبغوا في أحوال غير مساعدة وفي أجواء غير موافقة بل وفي أزمنة مظلمة حالكة، وفي بيئات قاتلة فاتكة، وفي شعب أصيب بشلل الفكر، وخواء الروح، وخمود العاطفة، وضعف الإرادة، وخور العزيمة، وسقوط الهمة، ورخاوة الجسم، ورقة العيش، وفساد الأخلاق، والإخلاد إلى الراحة، والخضوع للقوة، واليأس من الإصلاح"(1).
فعملوا على البناء في مجالات عدة: البناء للشخصية المسلمة والبناء للنظام الإداري والبناء للأمة المتوحدة، حتى استطاعوا تجديد الدين في واقع الناس، ونشر راية السنة في ربوع الأرض الإسلامية، من هؤلاء الأبطال السلطان العابد المتواضع الزاهد الشجاع المجاهد نور الدين محمود زنكي رحمه الله، الذي يجهل سيرته كثير من المسلمين. 

أصله ونسبه: 

هو الملك العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي بن آقسنقر، كان جده آقسنقر قد وُلِّي حلب وغيرها من بلاد الشام، ونشأ أبوه عماد الدين بالعراق، وندبه الخليفة المسترشد بالله أمير المؤمنين لولاية ديار الموصل والبلاد الشامية بعد قتل آقسنقر البرسقي وموت ابنه مسعود، فظهرت كفايته وبدت شهامته واستتب له الأمر ففتح الرها والمعرة وكفر طاب وغيرها من الحصون الشامية، واستنقذها من أيدي الكفار، وحاصر دمشق مرتين، فلم يتيسر له فتحها، فلما انقضى أجله رحمه الله قام ابنه نور الدين مقامه في الملك. 

حياته: 

أكرم الله نور الدين بكل هذا التاريخ المجيد وكل هذه السيرة العطرة ولم تتجاوز أيامه في هذه الأرض ثمانية وخمسين عاماً، فقد ولد نور الدين وقت طلوع الشمس من يوم الأحد سابع عشر شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة، ومات يوم الأربعاء الحادي عشر من شوال سنة تسعٍ و ستين وخمسمائة، مكث منها في الملك ثمانية وعشرين عاماً. 

نشأته: 

نشأ نور الدين في كفالة والده، و تعلم القرآن و الفروسية الرمي، و كان شهماً شجاعاً ذا همة عالية، وقصد صالح، وحرمة وافرة وديانة بينة (2). 

حبه للسنة: 

أظهر نور الدين ببلاده السنة، وأمات البدعة، ومن ذلك أمره بالتأذين بـ(حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح)، ولم يكن يؤذن بهما في دولة أبيه و جده، وإنما كان يؤذن بـ(حيّ على خير العمل) شعار الرافضة المبتدعة الذين كانوا كثيرين في أيامه.
كان نور الدين محباً للسنة حريصاً على اتباعها، قال عنه ابن عساكر: "ولقد حكى عنه من صحبه في حضره وسفره أنه لم يكن يسمع منه كلمة فحش في رضاه ولا في ضجره، وإن أشهى ما إليه كلمة حق يسمعها أو إرشاد إلى سنة يتبعها" (3).
حكى الشيخ أبو البركات أنه حضر مع عمه الحافظ أبي القاسم مجلس نور الدين لسماع شئ من الحديث، فمر أثناء الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متقلداً سيفاً، فاستفاد نور الدين رحمه الله أمراً لم يكن يعرفه، وقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلد السيف!!" يشير إلى التعجب من عادة الجند إذ هم على خلاف ذلك لأنهم يربطونه بأوساطهم، فلما كان من الغد مرّ وأنا تحت القلعة والناس مجتمعون ينتظرون ركوب السلطان، فوقفنا ننظر إليه، فخرج من القلعة وهو متقلد السيف و جميع عسكره كذلك، و يعلق ابن قاضي شهبة على هذه الحادثة فيقول: "رحم الله هذا الملك الذي لم يفرط في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الحالة. بل لما بلغته رجع بنفسه ورد جنده عن عوائدهم اتباعاً لما بلغه عن نبيه صلى الله عليه سلم فما الظن بغير ذلك من السنن" (4).
وروى أبو شامة قائلاً: "وبلغني من شدة اهتمام نور الدين رحمه الله بأمر المسلمين حين نزل الفرنج على دمياط (5) أنه قرئ عليه جزء من حديث كان له به رواية، فجاء في جملة تلك الأحاديث حديث مسلسل بالتبسم فطلب منه بعض طلبة الحديث أن يبتسم لتتم السلسلة على ما عرف من عادة أهل الحديث، فغضب من ذلك وقال: إني لأستحي من الله تعالى أن يراني مبتسماً والمسلمون محاصرون بالفرنج" (6).
ومع أن نور الدين رحمه الله حنفي المذهب إلا أنه نشر مذاهب أهل السنة الأربعة، وبنى المدارس، ووقف الأوقاف، وأظهر العدل والإنصاف. 

شجاعته: 

يقول الإمام ابن عساكر: "بلغني أنه في الحرب رابط الجأش، ثابت القدم، شديد الانكماش، حسن الرمي بالسهام، صليب الضرب عند ضيق المقام، يقدُم أصحابه عند الكرة، ويحمي منهزمهم عند الفرة، ويتعرض بجهده للشهادة لما يرجو بها من كمال السعادة" (7).
وقال ابن الأثير: "وأما شجاعته وحسن رأيه فقد كانت النهاية إليه فيهما، فإنه كان أصبر الناس في الحرب، وأحسنهم مكيدة ورأياً، وأجودهم معرفة بأمور الأجناد وأحوالهم، وبه كان يضرب المثل في ذلك، سمعت جمعاً كثيراً من الناس لا أحصيهم يقولون: إنهم لم يروا على ظهر الفرس أحسن منه، كأنه خلق منه لا يتحرك و لا يتزلزل" (8).
وقال الحافظ ابن كثير: "وأما شجاعته فيقال: إنه لم ير على ظهر فرس أشجع ولا أثبت منه"، وقال كذلك: "وكان شجاعاً صبوراً في الحرب، يضرب المثل به في ذلك، وكان يقول: قد تعرضت للشهادة غير مرة، فلم يتفق لي ذلك، ولو كان فيّ خير ولي عند الله قيمة لرزقنيها، والأعمال بالنيات، وقال له يوماً قطب الدين النيسابوري: بالله يا مولانا السلطان لا تخاطر بنفسك؛ فإنك لو قتلت قتل جميع من معك وأخذت البلاد، وفسد المسلمون؛ فقال له: اسكت يا قطب الدين فإن قولك إساءة أدب مع الله، ومن هو محمود؟ من كان يحفظ الدين والبلاد قبلى غير الذي لا إله إلا هو؟ ومن هو محمود؟ قال فبكى من كان حاضراً رحمه الله" (9).
وكان نور الدين رحمه الله إذا حضر الحرب أخذ قوسين وجعبتين، وباشر القتال بنفسه (10).
وعند حصن الأكراد عام 558هـ هاجم الصليبيون معسكر نور الدين رحمه الله على حين غفلة وهو في قلة من أصحابه؛ فانسحب بسرعة إلى حمص وأخذ ما يحتاجه من خيام وتجهيزات عسكرية، وعاد فعسكر على بحيرة (قدس) على بعد أربعة فراسخ فحسب من مكان الهجوم، يقول ابن الأثير: "فكان الناس لا يظنون أنه يقف دون حلب، فكان رحمه الله أشجع من ذلك وأقوى عزماً"، وعلى بحيرة (قدس) اجتمع إليه كل ناجٍ من المعركة فقال له بعض أصحابه: ليس من الرأي أن تقيم هاهنا، فإن الفرنج ربما حملهم الطمع على المجيء إلينا ونحن على هذه الحال؛ فوبخه واسكته وقال: "إذا كان معي ألف فارس لا أبالي بأعدائي قلّوا أم كثروا، والله لا أستظل بجدار حتى آخذ بثأر الأسلام و ثأري"، وأرسل إلى حلب يطلب مزيداً من الأموال و العدد. وكان في نية الصليبيين الهجوم على حمص باعتبارها أقرب المواقع إليهم، فلما بلغهم مقام نور الدين رحمه الله قريباً منها قالوا: إنه لم يفعل هذا إلا وعنده من القوة ما يمنعنا (11).
وقال عنه أحد الأمراء الذين تأخروا في الاستجابة لندائه للمساعدة في فتح حارم: "إن نور الدين قد تحشف من كثرة الصوم والصلاة فهو يلقي نفسه والناس معه في المهالك" (12).
ولقد حكى عنه بعض من خدمه مدة ووازره على فعل الخير أنه سمعه يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير (13). 

فتوحاته: 

بعد أن تولى نور الدين رحمه الله الملك استنقذ الرها من ابن جوسلين، ولما استتب له الأمر خرج غازياً في أعمال تل باشر، فافتتح حصونا كثيرة وافتتح قلعة أفامية وقلعة عزاز وتل باشر ودلوك ومرعش وقلعة عينتاب ونهر الجوز وغير ذلك، وحصن البارة وقلعة الراوندان وقلعة تل خالد وحصن كفر لاثا وحصن بسرفوت بجبل بني عليم، وغزا حصن إنب؛ فقصده الأبرنس متملك أنطاكية وكان من أبطال العدو وشياطينهم، فرحل عنها ولقيهم دونها فكسرها وقتله وثلاثة آلاف فرنجي كانوا معه، وبقي ابنه صغيراً مع أمه بأنطاكية وتزوجت بأبرنس آخر، فخرج نور الدين رحمه الله في بعض غزواته فأسر الإبرنس الثاني، وتملك أنطاكية ابن الأبرنس الأول، وهو بيمنت، ووقع في أسره في نوبة حارم وباعه نفسه بمال عظيم أنفقه في الجهاد (14)، وحاصر دمشق مرتين فلم يتيسر له فتحها، ثم قصدها الثالثة فتم له الصلح مع ملكها معين الدين وصاهره (تزوج ابنته)، واجتمعت كلمتهما على العدو لما وازره وسلم أهلها إليه البلد؛ لغلاء الأسعار والخوف من استعلاء كلمة الكفار، فضبط أمورها، وحصن سورها، وبنى بها المدارس والمساجد، وأفاض على أهلها الفوائد، وأصلح طرقها، ووسع أسواقها، وأدر الله على رعيته ببركته أرزاقها، وبطل منها الأنزال، ورفع عن أهلها الأثقال، ومنع ما كان يؤخذ منهم من المغارم كدار بطيخ وسوق البقل وضمان النهر والكيالة وسوق الغنم وغير ذلك من المظالم، وأمر بترك ما كان يؤخذ على الخمر من المكس، ونهى عن شربه وعاقب عليه بإقامة الحد والحبس، واستنقذ من العدو خذلهم الله ثغر بانياس وغيره من المعاقل المنيعة، كالمنيطرة وغيرها بعد الأياس (15). 

إنجازاته الاجتماعية والإدارية: 

أما إنجازاته الاجتماعية فقد لخصها أبن عساكر في قوله: "وأدر على الضعفاء والأيتام الصدقات، وتعهد ذوي الحاجة من أولي التعفف بالصلات، حتى وقف وقوفاً على المرضى والمجانين، وأقام لهم الأطباء والمعالجين، وكذلك على جماعة العميان، ومعلمي الخط والقرآن، وعلي ساكني الحرمين ومجاوري المسجدين، وأكرم أمير المدينة الحسين، وأحسن إليه، وأجرى عليه الضيافة لما قدم عليه وجهز معه عسكراً لحفظ المدينة، وقام لهم بما يحتاجون إليه من المؤونة، وأقطع أمير مكة إقطاعاً سنياً، وأعطى كلاً منهما ما يأكله هنياً مرياً، ورفع عن الحُجّاج ما كان يؤخذ منهم من المكس، وأقطع أمراء العرب الإقطاعات لئلا يتعرضوا للحجاج بالنحس، وأمر بإكمال سور مدينة الرسول، واستخراج العين التي بأحد وكانت قد دفنتها السيول، ودعي له بالحرمين، واشتهر صيته في الخافقين، وعمر الربط والخانقاهات والبيمارستانات (16)، وبنى الجسور في الطرق والخانات، ونصب جماعة من المعلمين لتعليم يتامى المسلمين، وأجرى الأرزاق على معلميهم وعليهم وبقدر ما يكفيهم، وكذلك صنع لما ملك سنجار وحران والرها والرقة ومنبج وشيزر وحماه وحمص وبعلبك وصرخد وتدمر، فما من بلد منها إلا وله فيه حسن أثر، وما من أهلها أحد إلا نظر له أحسن نظر، وحصل الكثير من كتب العلوم ووقفها على طلابها، وأقام عليها الحفظة من نقلتها وطلابها وأربابها، وجدد كثيراً من ذي السبيل وهدى بجهده إلى سواء السبيل (17). 

زهده وتواضعه: 

كان السلطان نور الدين رحمه الله زاهداً متواضعاً، لا يحب علواً في الأرض ولا فساداً، تلقى يوماً من بغداد هدية تشريف عباسية، ومعها قائمة بألقابه التي كان يذكر بها على منابر بغداد ".. اللهم أصلح المولى السلطان الملك العادل العالم العامل الزاهد العابد الورع المجاهد المرابط المثاغر نور الدين و عدته، ركن الإسلام و سيفه، قسيم الدولة وعمادها، اختيار الخلافة ومعزها، رضيَّ الإمامة وأثيرها، فخر الملة ومجدها، شمس المعالي و ملكها، سيد ملوك المشرق والمغرب وسلطانها، محي العدل في العالمين، منصف المظلوم من الظالمين ناصر دولة أمير المؤمنين.."، لكن نور الدين رحمه الله أسقط جميع الألقاب وطرح دعاءً واحداً يقول: "اللهم واصلح عبدك الفقير محمود زنكي!!" (18).
وعندما التقت قواته في (حارم) بالصليبيين الذين كانوا يفوقونهم عُدة وعدداً، انفرد نور الدين رحمه الله تحت تل حارم، وسجد لربه عز وجل، ومرّغ وجهه، وتضرع وقال: "يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك، أيش فضول محمود في الوسط؟"، يقول أبو شامة: "يشير نور الدين هنا إلى أنك يا رب أن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر، و بلغني ـ يعني أبو شامة ـ أنه قال: اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً.. من هو محمود حتي ينصر؟" (19).
وحكى أبو شامة قائلاً: "وبلغني أن إماماً لنور الدين رأى ليلة رحيل الفرنج عن دمياط في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أَعْلِمْ نور الدين أن الفرنج قد رحلوا عن دمياط في هذه الليلة، فقال: يا رسول الله، ربما لا يصدقني، فأذكر لي علامة يعرفها، فقال : قل له بعلامة ما سجدت على تل حارم وقلت : يا رب انصر دينك ولا تنصر محموداً، من هو محمود الكلب حتى ينصر؟".
قال فبهت ونزلت إلى المسجد، وكان من عادة نور الدين أنه كان ينزل إليه بغلس، ولا يزال يتركع فيه حتى يصلي الصبح، قال فتعرضت له فسألني عن أمري، فأخبرته بالمنام وذكرت له العلامة، إلا أنني لم أذكر لفظة الكلب، فقال نور الدين: أذكر العلامة كلها و ألح علي في ذلك، فقلتها، فبكى ـ رحمه الله ـ وصدق الرؤيا، فأرخت تلك الليلة، فجاء الخبر برحيل الفرنج بعد ذلك في تلك الليلة" (20).
أما نفقته فقد كانت قصداً، يقول ابن كثير: "كان نور الدين عفيف البطن والفرج، مقتصداً في الإنفاق على أهله و عياله في المطعم والملبس حتى قيل: إنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلى نفقة منه، من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا" (21).
ويحكي رضيع الخاتون زوجة نور الدين، أنها أرسلته إلي نور الدين تطلب زيادة في مخصصاتها المالية، يقول: "فلما قلت له ذلك تنكر وأحمر و جهه ثم قال: من أين أعطيها، أما يكفيها مالها؟ والله لا أخوض نار جهنم في هواها!! إن كانت تظن أن الذي بيدي من الأموال هي لي فبئس الظن!! إنما هي أموال المسلمين، ومرصدة لمصالحهم، ومعدة لفتق ـ أن كان ـ من عدو الاسلام، وأنا خازنهم عليها فلا أخونهم فيها، ثم قال: لي بمدينة حمص ثلاث دكاكين ملكاً قد وهبتها إياها فلتأخذها!! قال الرضيع: وكان يحصل منها قدر قليل، نحو عشرين ديناراً (22).
وقال ابن الأثير: "أحضر نور الدين الفقهاء، واستفتاهم في أخذ ما يحل له، فأخذ ما أفتوه بحله، ولم يتعده إلى غيره البتة، ولم يلبس قط ما حرمه الشرع من حرير أو ذهب أو فضة، وحكي لي عنه أنه حمل إليه من مصر عمامة من القصب الرفيع مذهبة فلم يحضرها عنده، فوصفت له فلم يلتفت إليها، و بينما هم معه في حديثها، إذ قد جاءه رجل صوفي فأمر له بها، فقيل له: إنها لا تصلح لهذا الرجل، ولو أعطي غيرها لكان أنفع له، فقال: أعطوها له فأني أرجو أن أعوض عنها في الآخرة، فسلمت إليه فسار بها إلى بغداد فباعها بستمائة دينار أو سبعمائة، وأنا أشك أنها كانت تساوي أكثر" (23).
ويقول سبط ابن الجوزي: "كان ـ يعني نور الدين ـ إذا أقام الولائم العظيمة لا يمد يده إليها إنما يأكل من طبق خاص فيه طعام بسيط" (24).
وكان يقترض أحياناً ليأكل يقول ابن كثير: "كان عمر الملاّء رجلاً من الصالحين الزاهدين، وكان نور الدين يستقرض منه في كل رمضان ما يفطر عليه، وكان يرسل إليه بفتيت ورقاق فيفطر عليه" (25). 

صلاحه وتقواه: 

كان نور الدين رحمه الله صالحاً.. صادق الرؤيا.. "رأى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة ثلاث مرات، وهو يقول له في كل واحدة منها: يا محمود أنقذني من هذين الشخصين، لشخصين أشقرين تجاهه، فاستحضر وزيره قبل الصبح فأخبره، فقال له: هذا أمر حدث في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ليس له غيرك، فتجهز ـ نور الدين ـ وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك، حتى دخل المدينة على غفلة، فلما زار طلب الناس عامة للصدقة، وقال: لا يبقى بالمدينة أحد إلا جاء، فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان في الناحية التي قبلة حجرة النبي صلى الله عليه وسلم من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب، قالا: نحن في كفاية، فجدّ في طلبهما حتى جئ بهما فلما رآهما قال للوزير هما هذان، فسألهما عن حالهما وما جاء بهما، فقالا لمجاورة النبي صلى الله عليه وسلم فكرر السؤال عليهما حتى أفضى إلى العقوبة، فأقرا أنهما من النصارى ووصلا لكي ينقلا النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الحجرة الشريفة، ووجدهما قد حفرا نقباً تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي يجعلان التراب في بئر عنهما في البيت.
فضرب أعناقهما عند الشباك الذي شرقي حجرة النبي صلى الله عليه وسلم خارج المسجد وركب متوجهاً إلى الشام راجعاً، فصاح به من كان نازلاً تحت السور واستغاثوا وطلبوا أن يبني لهم سوراً يحفظهم فأمر ببناء هذا السور الموجود اليوم" (26).
فيا من يرى علو تلك المرتبة لا تنس الدرج!
إن الناظر إلى سيرة نور الدين رحمه الله ليرى حياة حافلة بالإنجاز و العطاء، والبذل والجهاد، ويتعجب كيف استطاع أن يبلغ تلك المنزلة، ويتذكر قول ابن القيم: "فيا من يرى علو تلك المرتبة لا تنس الدرج، كم خاض بحراً ملحاً حتى وقع بالعذب! وكم تاه في مهْمهٍ قفرٍ حتى سمى بالدليل! وكم أنضَّ مراكب الجسم! وفض شهوات الحس! وواصل السرى ـ ليلاً ونهاراً ـ وأوقد نار الصبر في دياجي الهوى" (27)، فلله كم من بحر ملح خاضه نور الدين! وكم من غصص الصبر تجرع! وكم من الشهوات خالف! وكم من المباح هجر! وكم من الجهد البدني والرياضة الروحية قدم! حتى وصل إلى تلك المرتبة التي تنحسر عنها الأبصار.
وأرى أن أهم الأسباب التي أهلته لذلك الفضل و تلك المنزلة: مواظبته على العبادة وإخلاصه وتجرده. 

مواظبته على العبادة: 

قال أبو شامة: سمعت ابن شداد يقول: "بلغنا بأخبار التواتر عن جماعة يعتمد علي قولهم أنه كان أكثر الليالي يصلي و يناجي ربه، مقبلاً بوجهه عليه، ويؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها، بتمام شرائطها وأركانها وركوعها وسجودها، ... وكان كفّار القدس يقولون: إن نور الدين له مع الله سر!! فإنه ما يظفر علينا بكثرة جنده وعسكره وإنما يظفر علينا بالدعاء وصلاة الليل، والله يستجيب دعاءه ويعطيه سؤله وما يرد يده خائبة، فيظفر علينا" (28)، وقال: "كان من عادة نور الدين أنه كان ينزل إلى المسجد بغلس، ولا يزال يركع حتى يصلي الصبح" (29)، وقال ابن الأثير: "حدثني صديق لنا بدمشق كان رضيع الخاتون زوجة نور الدين فقال: كان نور الدين يصلي فيطيل الصلاة، وله أوراد في النهار، فإذا جاء الليل وصلي العشاء نام، ثم يستيقظ نصف الليل، ويقوم إلى الوضوء والصلاة والدعاء إلى بكرة، ثم يظهر للركوب ويشتغل بمهام الدولة" (30).
وقال ابن عساكر: "كان كثير المطالعة للعلوم الدينية، متبعاً للآثار النبوية، مواظباً على الصلوات في الجماعات، مراعياً لأدائها في الأوقات، مؤدياً لفروضها ومسنوناتها، معظماً لفقدها في جميع حالاتها، عاكفاً على تلاوة القرآن على الأيام،حريصاً على فعل الخير من الصدقة والصيام، كثير الدعاء والتسبيح، راغباً في صلاة التراويح، عفيف البطن والفرج، مقتصداً في الإنفاق والخرج، متحرياً في المطاعم والمشارب والملابس، متبرياً من التباهي والتماري والتنافس، عرياً عن التجبر والتكبر، بريئاً من التنجم والتطير، مع ما جمع الله له من العقل المتين، والرأي الصويب الرصين، والاقتداء بسيرة السلف الماضين، والتشبه بالعلماء والصالحين، والاقتفاء لسيرة من سلف منهم في حسن سمتهم والاتباع لهم في حفظ حالهم ووقتهم" (31).
وقال ابن قاضي شهبة: "كان نور الدين كثير الصيام، وله أوراد في الليل و النهار، وكان يقدم أشغال المسلمين عليها ثم يتم أوراده) (32).
وكان يخصص في بيته مكاناً للعبادة فقد روي أنه ألحق ببيته صُفّة يخلو فيها للعبادة، فلما ضربت الزلازل دمشق، بنى بإزاء تلك الصفة بيتاً من الأخشاب: "فهو يبيت فيه ويصبح ويخلو بعبادته ولا يبرح، ولما توفي دفن في البيت البسيط المقام من الأخشاب" (33). 

بين نور الدين وصلاح الدين: 

عمل بعض المؤرخين من أصحاب الغرض ـ مثل ابن أبي طي ـ على تضخيم الخلاف الذي حدث بين نور الدين وصلاح الدين رحمهما الله وحملوا على نور الدين كثيراً، ونسبوا له ما لا يليق به، وقد أحسن الإمام أبو شامة إذ رد عليهم كلامهم، وبين سبب حملهم على نور الدين رحمه الله بقوله: "ابن أبي طيّ متهم فيما ينسبه إلى نور الدين مما لا يليق به، فإن نور الدين رحمه الله كان قد أذل الشيعة بحلب وأبطل شعارهم، وقوّى أهل السنة، وكان والد ابن أبي طيّ من رؤوس الشيعة فنفاه من حلب، فلهذا هو في الكتاب كثير الحمل على نور الدين رحمه الله فلا يقبل منه ما ينسبه إليه مما لا يليق به. والله أعلم".
كان صلاح الدين رحمه الله وأسرته محل تكريم السلطان نور الدين رحمه الله، ذلك أن أسد الدين شيركوه ـ عم صلاح الدين ـ هو الذي مهد الأمر لنور الدين ليصير حاكماً على حلب، وقد حفظ نور الدين لأسد الدين رحمهما الله هذا الجميل، وكان ما رآه نور الدين من شجاعة أسد الدين وجلده على جهاد الفرنجة، دافعاً لحفظ الجميل، فأكرمه وجعله مقدمة عسكره، وأقطعه حتى صارت له حمص والرحبة وغيرهما، ولما تعلقت همة نور الدين بدمشق أمر أسد الدين أن يرسل إلى أخيه نجم الدين أيوب ـ والد صلاح الدين ـ ليترك دمشق ويلتحق بخدمة نور الدين، ففعل، وصار أسد الدين ونجم الدين عند نور الدين في المحل الأعلى والمكان الأسمى، لا سيما نجم الدين، فإن جميع الأمراء كانوا إذ دخلوا على نور الدين لا يقعدون حتى يأمرهم نور الدين بذلك، إلا نجم الدين فإنه كان إذا دخل إليه قعد من غير أن يؤمر بذلك" (34).
ولما خاف نور الدين رحمه الله على مصر من أن يدخلها الفرنجة؛ أمر صلاح الدين أن يسير إلى عمه أسد الدين في حمص يأمره بالحضور إليه، ويحثه على الإسراع، فلما فعل وعاد مع عمه أمرهما نور الدين بالخروج في الجيش إلى مصر، يقول صلاح الدين: "قال لي نور الدين: لابد من مسيرك مع عمك، فشكوت إليه المضايقة، وقلة الدواب، وما أحتاج إليه فأعطاني ما تجهزت به، وكأنما أساق إلى الموت، وكان نور الدين مهيباً مخوفاً مع لينه ورحمته، فسرت معه، فلما استقر أمره وتوفي أعطاني الله من ملكها ما لا كنت أتوقعه" (35)، وبعد وفاة أسد الدين، خلفه صلاح الدين، "وثبت قدمه، ورسخ ملكه، وهو نائب عن الملك العادل نور الدين، والخطبة لنور الدين في البلاد كلها، ولا يتصرفون إلا عن أمره، واستمال صلاح الدين قلوب الناس، وبذل لهم الأموال مما كان أسد الدين قد جمعه" (36).
ذكر الإمام أبو شامة أن العلاقة بين نور الدين وصلاح الدين رحمهما الله توترت مرتين: الأولى عندما طلب صلاح الدين من نور الدين أن يرسل إليه إخوته فرفض نور الدين، وقد أوّل المغرضون هذا الرفض بأنه خوف من نور الدين على القوة المتنامية لصلاح الدين، وخشيته أن يسهم وجود إخوته معه في زيادة هذه القوة، أما المنصفون من المؤرخين فقد بينوا عكس ذلك ونقلوا عن نور الدين أنه قال مبيناً سبب رفضه: "أخاف أن يخالف أحد منهم عليك فتفسد البلاد"، وعضددوا قولهم بأن نور الدين أرسل أخوة صلاح الدين في جيش الإمداد الذي وجهه إلى مصر عندما زحف الفرنجة إليها، ونصح شمس الدولة تورانشاه بن أيوب الأخ الأكبر لصلاح الدين نصيحة غالية تبين مدى حرصه على استتباب الأمر لصلاح الدين، إذ قال له: "إن كنت تسير إلى مصر وتنظر إلى أخيك أنه يوسف الذي كان يقوم في خدمتك وأنت قاعد، فلا تسر فإنك تفسد البلاد، وأحضرك حينئذ وأعاقبك بما تستحقه، وإن كنت تنظر إليه أنه صاحب مصر وقائم فيها مقامي وتخدمه بنفسك كما تخدمني فسر إليه، واشدد أزره وساعده على ما هو بصدده، فقال تورانشاه : أفعل معه من الخدمة والطاعة ما يصل إليك ـ إن شاء الله تعالى ـ فكان كما قال.
أما الثانية: فقد أوردها الإمام أبو شامة نقلاً عن ابن الأثير إذ قال: "وفي سنة سبع وستين أيضاً جرى ما أوجب نفرة نور الدين من صلاح الدين، وكان الحادث أن نور الدين أرسل إلى صلاح الدين، يأمره بجمع العساكر المصرية والمسير بها إلى بلاد الفرنج والنزول على الكرك ومحاصرته، ليجمع هو أيضاً عساكره ويسير إليه ويجتمعا هناك على حرب الفرنج والاستيلاء على بلادهم، فبرز صلاح الدين من القاهرة في العشرين من المحرّم وكتب إلى نور الدين يعرّفه أن رحيله لا يتأخر.
وكان نور الدين قد جمع عساكره وتجهز، وأقام ينتظر ورود الخبر من صلاح الدين برحيله ليرحل هو، فلما أتاه الخبر بذلك رحل من دمشق عازماً على قصد الكرك فوصل إليه، وأقام ينتظر وصول صلاح الدين إليه، فأتاه كتابه يعتذر فيه عن الوصول باختلال البلاد، وأنه يخاف عليها مع البعد عنها فعاد إليها، فلم يقبل نور الدين عذره، وكان سبب تقاعده أن أصحابه وخواصه خوفوه من الاجتماع بنور الدين، فحيث لم يمتثل أمر نور الدين شق ذلك عليه وعظم عنده، وعزم على الدخول إلى مصر وإخراج صلاح الدين عنها.
فبلغ الخبر إلى صلاح الدين فجمع أهله وفيهم والده نجم الدين وخاله شهاب الدين الحارمي، ومعهم سائر الأمراء وأعلمهم ما بلغه من عزم نور الدين على قصده وأخذ مصر منه، واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشيء، فقام ابن أخيه تقي الدين عمر وقال: إذا جاءنا قاتلناه وصددناه عن البلاد، ووافقه غيره من أهله فشتمهم نجم الدين أيوب وأنكر ذلك واستعظمه، وكان ذا رأي ومكر وكيد وعقل، وقال لتقي الدين: اقعد، وسبّه، وقال لصلاح الدين: أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك أتظن في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا؟ فقال: لا، فقال نجم الدين: والله لو رأيت أنا ـ وهذا خالك ـ نور الدين لا يمكننا إلا أن نترجل إليه، ونقبل الأرض بين يديه، ولو أمرنا بضرب عنقك بالسيف لفعلنا، فإذا كنا نحن هكذا كيف يكون غيرنا؟ وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه، ولا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه، وهذه البلاد له وقد أقامك فيها، فان أراد عزلك فأي حاجة به إلى المجيء، يأمرك بكتاب حتى تقصد خدمته، ويولي بلاده من يريد، وقال للجماعة كلهم: قوموا عنا، فنحن مماليك نور الدين وعبيده، ويفعل بنا ما يريده، فتفرقوا على هذا، وكتب أكثرهم إلى نور الدين بالخبر.
ولما خلا نجم الدين أيوب بابنه صلاح الدين قال له: أنت جاهل قليل المعرفة، تجمع هذا الجمع العظيم وتطلعهم على ما نفسك فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه من البلاد جعلك أهم الأمور إليه وأولاها بالقصد، ولو قصدك لم تر معك من هذا العسكر أحداً، وكانوا أسلموك إليه، وأما الآن بعد هذا المجلس فسيكتبون إليه ويعرفونه قولي، وتكتب أنت إليه وترسل في هذا المعنى وتقول: أي حاجة إلى قصدي؟ يجيء نجّاب يأخذني بحبل يضعه في عنقي، فهو إذا سمع هذا عدل عن قصدك واشتغل بما هو أهم عنده، والأيام تندرج، والله كل وقت في شأن، ففعل صلاح الدين ما أشار به والده، فلما رأى نور الدين رحمه الله الأمر هكذا عدل عن قصده، وكان الأمر كما قال نجم الدين: توفى نور الدين ولم يقصده ولا أزاله، وكان هذا من أحسن الآراء وأجودها. وأقول: أنى له أن يعرف بما قاله نجم الدين لصلاح الدين مختلياً به، والصواب أن نأخذ بظاهر الأمر وهو أن نجم الدين يرى حقيقة ـ لا سياسة ـ أنه وصلاح الدين تحت قيادة نور الدين.
وقد أكد ابن الأثير في أكثر من موضع أن السبب في غضب نور الدين من صلاح الدين هو أنه رأى منه ـ أي من صلاح الدين ـ فتوراً من غزو الفرنج من ناحيته، "وكان نور الدين لا يرى إلا الجد في غزوهم بجهده وطاقته". وقال أبو شامة: "ولو علم نور الدين ماذا ادخر الله ـ تعالى ـ للاسلام من الفتوح الجليلة على يد صلاح الدين من بعده لقرت عينه، فإنه بنى على ما أسسه نور الدين رحمه الله من جهاد المشركين، وقام بذلك على أكمل الوجوه وأتمها ـ رحمهما الله تعالى ـ.
بعد وفاة نور الدين ظل صلاح الدين على وفائه لنور الدين، وظهر ذلك في مواقف عده منها:
ـ سعى صلاح الدين رحمه الله إلى ولاية ولد نور الدين ـ الملك الصالح ـ لصغر سنه، وفاء لنور الدين رحمه الله وحفظاً لوحدة الأمة، ورد على من عاتبه على ذلك ظناً منه أن صلاح الدين طمع في ملك نور الدين بقوله: "إنا لا نؤثر للإسلام وأهله إلا ما جمع شملهم، وألف كلمتهم، وللبيت الأتابكي ـ بيت نور الدين ـ أعلاه الله إلا ما حفظ أصله وفرعه، ودفع ضره وجلب نفعه، فالوفاء إنما يكون بعد الوفاة، والمحبة إنما تظهر آثارها عند تكاثر أطماع العداة، وبالجملة إنا في واد، والظانون بنا ظن السوء في واد ولنا من الصلاح مراد، ولا يقال لمن طلب الصلاح إنك قادح، ولا لمن ألقي السلاح أنك جارح" (37)، ولما تجمع الروافض حول ابن نور الدين ـ صغير السن (38) ـ عرضوا عليه نصرته على أن يأذن لهم بأن "يجهروا بـ(حي على خير العمل) في الأذان، وقدّام الجنائز بأسماء الأئمة الاثني عشر، وأن يصلوا على أمواتهم خمس تكبيرات، وأشياء كثيرة اقترحوها مما كان قد أبطله نور الدين ـ رحمة الله ـ فأجيبوا إلى ذلك" (39)،لم يكن أمام صلاح الدين رحمه الله إلا أن يعمل على أخذ البلاد منهم، فقاومهم حتى طلبوا الصلح فأجابهم وعفا وعف، وكفى وكف، وأبقى للملك الصالح ـ ابن نور الدين ـ حلباً وأعمالها وأراد له الإعزاز فرد له عزار"، ولرد عزار قصة تبين حب صلاح الدين لنور الدين إذ بعث الملك الصالح أخته بنت نور الدين إلى صلاح الدين في الليل، فدخلت عليه فقام قائماً، وقبل الأرض وبكى على نور الدين، فسألت أن يرد عليهم عزار، فقال سمعاً وطاعة، فأعطاها، وقدم لها من الجواهر والتحف والمال شيئاً كثيرا" (40)، ولم يدخل صلاح الدين حلب إلا بعد وفاة ابن نور الدين.
ـ عندما فتح صلاح الدين بيت المقدس، "أمر بالوفاء بالنذر النوري ـ أي نذر نور الدين ـ ونقل المنبر ـ الذي بناه نور الدين ليضعه في المسجد الأقصى ـ إلى موضعه القدسي، فعُرفت بذلك كرامات نور الدين التي أشرق نورها بعده بسنين" (41).
ـ لم يذكر نور الدين أمام صلاح الدين إلا وترحم عليه وذكره بالخير، حتى إنه قال إن كل عدل فيه أنما تعلمه من نور الدين. 

فضل نور الدين: 

تعد فترة ولاية نور الدين من أخصب الفترات التي مرت بالمسلمين بعد الخلفاء الراشدين؛ إذ شهدت نمواً كبيراً وطفرة حقيقية في المجالات كافة: السياسية والاقتصادية والعلمية والجهادية، وقد صرح بفضل نور الدين عدد كبير من العلماء والمؤرخين، نقتطف من أقوالهم ما يلي:
ـ قال الأمام أبو شامة: "ملك نور الدين دمشق سنة تسع وأربعين، وملكها صلاح الدين سنة سبعين، فبقيت دمشق في المملكة النورية عشرين سنة، وفي المملكة الصلاحية تسع عشرة سنة تمحى فيها السيئة وتكتب الحسنة، وهذا من عجيب ما اتفق في العمر ومدة الولاية ببلدة معينة لملكين متعاقبين مع قرب الشبه بينهما في سيرتهما، والفضل للمتقدم فكانت زيادة مدة نور الدين كالتنبيه على زيادة فضله، والإرشاد إلى عظم محله، فإنه أصل ذلك الخير كله، مهد الأمور بعدله وجهاده، وهيبته في جميع بلاده، مع شدة الفتق، واتساع الخرق، وفتح من البلاد، ما استعين به على مداومة الجهاد، فهان على من بعده على الحقيقة سلوك تلك الطريقة لكن صلاح الدين أكثر جهاداً وأعمّ بلاداً، صبر وصابر، ورابط وثابر، وذخر الله له من الفتوح أنفسه، وهو الذي فتح الأرض المقدسة؛ فرضي الله عنهما".
ـ وقال أبو الحسن بن الأثير في بيان فضل نور الدين على سائر الملوك: "قد طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا هذا، فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين، ولا أكثر تحرياً للعدل والإنصاف منه، قد قصر ليله ونهاره على عدل ينشره، وجهاد يتجهز له، ومظلمة يزيلها، وعبادة يقوم بها، وإحسان يوليه، وإنعام يسديه".
ـ كما روى ابن الأثير عن عدل نور الدين بعد موته ـ وهو من أعجب ما يحكى ـ أن إنساناً كان بدمشق غريباً استوطنها وأقام بها لما رأى من عدل نور الدين ـ رحمه الله ـ فلما توفى تعدى بعض الأجناد على هذا الرجل فشكاه فلم ينصف، فنزل من القلعة وهو يستغيث ويبكي، وقد شق ثوبه وهو يقول: "يا نور الدين لو رأيتنا وما نحن فيه من الظلم لرحمتنا، أين عدلك؟ وقصد تربة نور الدين ومعه من الخلق ما لا يحصى وكلهم يبكي ويصيح فوصل الخبر إلى صلاح الدين فقيل له: احفظ البلد والرعية وإلا خرج عن يدك، فأرسل إلى ذلك الرجل وهو عند تربة نور الدين يبكي والناس معه وطيب قلبه ووهبه شيئاً وأنصفه، فبكى أشدّ من الأول، فقال له صلاح الدين: لم تبكي؟ قال: أبكي على سلطان عَدَل فينا بعد موته فقال صلاح الدين: هذا هو الحق، وكل ما ترى فينا من عدل فمنه تعلمناه.
ـ كذلك ذكر أبو شامة واصفاً هيبة مجلس نور الدين القصة التالية: "بلغني أن الحافظ ابن عساكر الدمشقيّ ـ رضي الله عنه ـ حضر مجلس صلاح الدين يوسف لما ملك دمشق فرأى فيه من اللغط وسوء الأدب من الجلوس فيه ما لا حدّ عليه فشرع يحدّث صلاح الدين كما كان يحدّث نور الدين فلم يتمكن من القول لكثرة الاختلاف من المتحدثين وقلة استماعهم فقام، وبقي مدة لا يحضر المجلس الصلاحي، وتكرر من صلاح الدين الطلب له فحضر فعاتبه صلاح الدين يوسف على انقطاعه فقال: نزهت نفسي عن مجلسك فإنني رأيته كبعض مجالس السوقة لا يستمع فيه إلى قائل ولا يرد جواب متكلم، وقد كنا بالأمس نحضر مجلس نور الدين فكنا كما قيل: كأنما على رؤوسنا الطير تعلونا الهيبة والوقار فإذا تكلّم أنصتنا وإذا تكلمنا استمع لنا، فتقدم صلاح الدين إلى أصحابه أنه لا يكون منهم ما جرت به عادتهم إذا حضر الحافظ.
ألا رحم الله الإمام العادل نور الدين، ومنَّ على المسلمين بقادة من أمثاله.. آمين. 

تطبيق حصن المُسلم


تطبيق حصن المُسلم


يضم برنامج حصن المسلم العديد من الأذكار والأدعية الواردة في كتاب حصن المسلم والتي لا غني عنها في حياتنا اليومية وفي معاملاتنا مع الناس وذلك بطريقة سهلة وبسيطة.

ومن هذه الأذكار : أذكار الصباح والمساء ، أذكار النوم ، أذكار الاستيقاظ من النوم ، دعاء الاستخارة ...

تم إضافة ميزات عديدة للبرنامج حتي تتمكن من الوصول إلي الأذكار بسهولة ويسر ومن بعض هذه المزايا:

- فهرسة الأذكار لسهولة تصفحها
- جميع الأذكار مضبوطة بالتشكيل
- يحتوي كل ذكر علي سند الحديث الخاص به أو السورة القرآنية وفضل الذكر
- أمكانية إضافة الأذكار التي تقرئها بكثرة إلي قائمة الأذكار المفضلة لسهولة الوصول إليها بعد ذلك
- إمكانية البحث في والفهرس الأذكار سويا
- إمكانية نسخ الأذكار حتي تتمكن من استخدامها في برنامج أخر
- إمكانية إرسال الأذكار لأصدقائك عن طريق الإيميل، الرسائل القصيرة او عن طريق مشاركتها علي فيسبوك ،تويتر أو أي برنامج أخر للإرسال
- إمكانية المساهمة في نشر البرنامج ومشاركتنا الأجر إن شاء الله
- إمكانية تكبير وتصغير الخط
- خاصية التذكير بأذكار الصبح والمساء
- إمكانية عمل التطبيق علي الجوالات التي لا تدعم العربية
- تعديل الخط وحل مشكلة الحروف المتقطعة في بعض الجوالات





تطبيق صلاتي My Prayer



تطبيق صلاتي My Prayer




بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ



صلاتي هو تطبيق إسلامي مع أوقات الصلاة دقيقة باستخدام موقع الهاتف (خطوط الطول والعرض) على أساس اتفاقيات مختلفة ولها وقت الصلاة ثابت لتلك المدن التي لديها جدول زمني ثابت للصلاة. كما يوفر هذا التطبيق اتجاه القبلة ، Azkars (Hisnul مسلم) ، 99 أسماء الله ، أقرب المساجد وأكثر من ذلك.

         الخصائص الرئيسية:


         أوقات الصلاة دقيقة على أساس موقعك الحالي مع إعدادات متعددة المتاحة (الزوايا).
         أوقات الصلاة ثابتة لتلك المدن التي لديها جدول زمني ثابت للصلاة.
         إظهار تقدم في وقت الصلاة التالي المتبقي.
         إعلام أو إنذار لكل صلاة وقت مع القدرة على ضبط أوقاتهم.
         القدرة على توجيه وقت صلاة الإخطار.
         القدرة على ضبط أوقات الصلاة يدويا.
         الكشف عن الموقع التلقائي باستخدام الشبكة أو GPS ، أو البحث عن الموقع يدويا عن طريق البحث (بدون الإنترنت).
         القدرة على اختيار نغمة الإعلام (الأذان) من بطاقة SD ، نغمة النظام ، أو Muazins المتاحة في التطبيق.
         تبديل الهاتف للصمت تلقائيا أثناء أوقات الصلاة ، مع إعدادات لكل صلاة.
         إظهار التاريخ الهجري مع القدرة على ضبط التاريخ الهجري.
         جميع المسلمين الأذكار (Hisnul Muslim) التي تحتوي على 287 azkars مع القدرة على مشاركة الأذكار ، والأذكار المفضلة ، والإخطار عن الأذكار اليومية
         اتجاه القبلة البوصلة.
         99 أسماء الله
         أقرب المساجد ، يقوم على خرائط جوجل ويظهر لك أقرب المساجد إليك على الخريطة من أقرب إلى أبعد منكم في دائرة نصف قطرها التي يمكنك اختيارها 5-50 كيلومتر.
         2 الحاجيات المختلفة لعرض جميع أوقات الصلاة
         ترجمت بشكل كامل إلى: English، English، فارسی، کوردی







عربي باي